بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فرض الحج على عباده وجعله احد أركان الإسلام احمده سبحانه وتعالى وهو الملك العلام واشهد ان لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ننجى بها في يوم القيامة واشهد ان سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله سيد الأنام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل التهجد والصيام الذين أوصلوا لنا قواعد الحلال والحرام وارضي اللهم عن التابعين والأئمة ياذو الجلال والإكرام أما بعد أيها الأحباب لكي يسير المؤمن في درب الجهاد في هذا الدين يأتي الحج عاملا للترويض وجهاد النفس وأخذها بالكمال والتجافى بها عن الآثام ومذلة الأقدام وقد اوجب الله سبحانه وتعالى إقامة الحج لما فيه من مصالح تعود على الحاج في دنياه وعقباه كما قال الله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) وجعل له أمدا معينا لامتداد أمد الطاعة ووصل العبادة لله وجعل له أمدا في ضرب المواقيت والأمكنة لكي يعرف الحاج الواجب ويقوم بالطاعة على وجهها الأكمل ، قال تعالى
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فما انتهى رمضان وهو الشهر الذي خصه الله بالصيام وان هذا الصيام هو ابرز عبادة للتهذيب والتقويم إلا واردفه الله تبارك وتعالى بشهور الحج التي تبدأ من أول شهر شوال ليبقى المؤمن في ظلال حياة روحية ممتدة الأمد تزكو فيها نفسه ليبقى في عبادة متواصلة ويصقل جوهره ويرتفع عن طغيان المادة وإغراءاتها وعن التمادي في حياة الترف لينصرف إلى حياة اقرب ما تكون إلى الفطرة لا سرف فيها ولا بهرج ولا زهو ولا غرور يلتزم فيها الحاج وضعا خاصا ليكون نظيف المظهر والمخبر أما المظهر فيترجم عند لباس الإحرام المبسط الذي يستوي فيه الناس جميعا سيدهم ومسيودهم أبيضهم وأسودهم أشرافهم ودهمائهم وشعار الجميع هي التلبية متماسكين مؤتلفين على نسق واحد وشعار الجميع لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك اى إجابة بعد إجابة إعلانا بالسمع والطاعة لصاحب الملك والنعمة وأما نظافة المخبر فيصوره ارتفاع نفس الحاج عن كل المزالق والمهابط والتجافى عن كل مأخذ من مآخذ الرزيلة أو الغفلة كما قال تعالى : ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) وهذه المثل الرفيعة الكريمة التي يجب على الحاج ان يلتزمها في حجه للتدليل على نظافة مخبره وهى أفضل عامل لصقل جوهره وتهذيب نفسه حتى إذا ما عاد إلى بلده عاد كالمولود يوم ولادته متطهرا من ذنوبه كما جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : (من أم هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كهيئته يوم ولدته أمه) وذلك كسب كبير وعطاء عظيم يظفر به الحاج لقاء نظافة مخبره وجهاد نفسه في الله لا يعدله اى كسب في دنياه يكون له التعويض عن كل ما بذله من جهد في حجه وبذل المال في نفقات الحج وتحمل المتاعب والأخطار ومفارقة الأهل والوطن ألا وان وراء نظافة المخبر للحاج عاملا آخر لكسب الأجر ورفعة القدر بين البررة من عباد الله في دار الكرامة والنعيم وهو المسارعة في أعمال الخير والتنافس فيها في كل دروبها دون حدود أو قيود ويرشدنا إلى ذلك وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه قائلا : ( لا تحقرن من المعروف شيئا ) وعدد صلى الله عليه وسلم جملة من أعمال الخير كلها أمثلة كريمة يحسن التنافس فيها لبلوغ الفضل وعظيم الأجر ونزول الجنة كما جاء في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وسلم الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة قالوا وما بر الحج يا رسول الله قال إطعام الطعام وإفشاء السلام ) وفى حديث آخر وطيب الكلام ألا وان أفضل ما يتحلى به الحاج في حجه بل المسلم في كل ادوار حياته لتكفير سيئاته كما قال تعالى ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ) وقد قرن سبحانه وتعالى بين نظافة مخبر الحاج وتوجهه إلى أعمال البر والأمر بالتقوى في آية واحدة للإشعار بتلازمهما إذا من هذا المعنى فلا يكون قد حج من اغترف من الآثام في حجه ولم يتق الله في نهجه ومسلكه وليست هذه العبادة مظاهرا ومزاعما وإنما هي قول صادق وعمل مخلص قال تعالى : ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب ) فاتقوا الله عباد الله واعلموا ان لهذا الحج حدود وقيود في إطارها يصبح الحج مبرورا ويكون الجزاء من الله عليه عظيما قال تعالى وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ) نفعني الله وإياكم بهدى كتابه وبهدى رسوله صلى الله عليه وسلم .الحديث
خطب النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فقال ( يا أيها الناس أوصيكم بما اوصانى به الله في كتابه من العمل بطاعته والتناهي عن محارمه ثم إنكم بمنزل اجر وذخر لمن ذكر الذي عليه ثم وطن نفسه على الصبر واليقين والجد والنشاط فان جهاد العدو شديد كربه قليل من يصبر عليه إلا من عزم الله له رشده فان الله مع من أطاعه وان الشيطان مع من عصاه فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد والتمسوا بذلك ما وعدكم الله وعليكم بالذي أمركم به فاني حريص على رشدكم وان الاختلاف والتنازع والتثبيط من أمر العجز والضعف وهو مما لا يحب الله ولا يعطى عليه النصر ولا الظفر يأيها الناس حدد في صدري أن من كان على حرام فرق الله بينه وبينه ورغب له عنه غفر الله له ذنبه ومن صلى على صلى الله عليه وملائكته عشرا ومن أحسن إلى مسلم أو كافر وقع أجره على الله في عاجل دنياه أو آجل آخرته ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا ومن استغنى عنها استغنى الله عنه والله غنى حميد ما اعلم من عمل يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به ولا اعلم من عمل يقريكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه وانه قد نفث في روعي الروح الأمين انه لن تموت نفس حتى تستوفى أقصى رزقها لا ينقص منه شيء وان أبطأ عنها فاتقوا الله ربكم وأجملوا في طلب الرزق ولا يحملنكم استبطاؤه ان تطلبوه بمعصية ربكم فانه لا يقدر على ما عنده إلا بطاعته قد بين لكم الحلال والحرام غير ان بينهما شبها من الأمر لم يعلمها كثير من الناس إلا من عصم الله فمن تركها حفظ عرضه ودينه ومن وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى أوشك أن يقع فيه وليس ملك إلا وله حمى ألا وان حمى الله محارمه والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى إليه سائر جسده والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته )
أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
